الصفحة الرئيسية
>
حــديث
[عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان] أورد مسلم قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هناك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: [من رأى منكم منكراً فليغيره... إلى آخره] وقد جاء في الحديث الآخر الذي اتفق عليه البخاري ومسلم وأخرجاه في باب صلاة العيدين: أن أبا سعيد هو الذي جذب بيد مروان حين أراد أن يصعد المنبر، وكانا جميعاً فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل، وأما قوله [فليغيره] فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق الكتاب والسنة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين، ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقي، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر ويقصر، قال العلماء: ولا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يقبل في ظنه، بل يجب عليه فعله، قال الله تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وقال الله تعالى {ما على الرسول إلا البلاغ} قال العلماء: ولا يشترط في الآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مرتكباً خلاف ذلك، قالوا: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بأصحاب الولاية، بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين، وإنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، فإن كان من الأمور الظاهرة مثل الصلاة والصوم والزنا وشرب الخمر ونحو ذلك، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال وما يتعلق بالاجتهاد ولم يكن للعوام فيه مدخل، فليس لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء والعلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن على أحد المذهبين: أن كل مجتهد مصيب، وهو المختار عند كثير من المحققين، وعلى المذهب الآخر: أن المصيب واحد والمخطئ غير متعين لنا، والإثم موضوع عنه، لكن على جهة النصيحة للخروج من الخلاف، فهو حسن مندوب إلى فعله برفق، واعلم أن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعذاب، قال الله تعالى {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} فينبغى لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضى الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم، لا سيما وقد ذهب معظمه، ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال {ولينصرن الله من ينصره} واعلم أن الأجر على قدر النصب، ولا يتركه أيضاً لصداقته ومودته، وينبغى للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون من ذلك برفق ليكون أقرب إلى تحصيل المقصود، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.
وقوله (صلى الله عليه وسلم): [فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه} معناه: فلينكره بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير، لكنه هو الذي في وسعه، وقوله [وذلك أضعف الإيمان] معناه - والله أعلم - أقله ثمرة، وليس للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر البحث والتفتيش والتجسس واقتحام الدور بالظنون.
قوله [وذلك أضعف الإيمان] قد ذكر أن معناه أقله ثمرة، وقد جاء في رواية أخرى [وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل] أي لم يبق وراء ذلك مرتبة أخرى.
المزيد |